- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠2دروس جامع الاحمدي
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من باب التألي على الله :
أيها الأخوة الكرام, لا زلنا في رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين -عليه أتم الصلاة والتسليم- ننتقل اليوم إلى باب جديد, وهو باب: إجراء أحكام الناس على الظاهر.
يجب أن تجري الأحكام بين الناس على الظاهر, أما أن تتخطى الظاهر إلى السرائر, ولا نملك حكماً يقينياً في السرائر, فهذا من باب التألي على الله عز وجل. قال تعالى:
﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾
أقام الصلاة وآتى الزكاة.
إنسان عقيدته سليمة؛ يصلي, ويصوم, وليس هناك خبر سيء عنه, هذا ماسوني, هكذا؛ من دون تأكد, من دون تحقق, من دون تروي, من دون بحث, من دون درس, من دون دليل, اتهام الناس بالانحراف من دون دليل, الدليل موضوع ثان.
إنسان نطق بالكفر, لعله يكون ولياً, هذه –أيضاً- جدية, نطق بالكفر لعله يكون ولياً, هذا كلام مرفوض, أما إنسان ما بدا منه شيء يخالف منهج الله, كيف تتهمه؟
من أساء الظن بأخيه, فكأنما أساء الظن بربه.
فنحن في الإسلام لنا الظاهر, والله يتولى السرائر, السرائر موكولة إلى الله.
إليكم هذا المثال لبيان هذه الظاهرة: إجراء أحكام الناس على الظاهر :
سأبين لكم مثالاً:
إنسان ذهب إلى فرنسا, أراد الزواج من امرأة إفرنسية, يجوز أن يأخذ من أهل الكتاب, ذهب إلى مركز إسلامي وعقد عقد؛ بإيجاب, وقبول, ومهر, وشاهدين, هذا العقد شرعي مئة في المئة, أما هو نوى بعد أن تنتهي دراسته يطلقها, هو نوى التوقيت, بقاؤه معها زنا, أربع سنوات زنا, لكن هذا من يعلمه؟ الله جل جلاله, أما نحن صار في إيجاب, وقبول, ومهر, وشاهدين, والشيء تسجل, ولا نستطيع أن نصل إلى باطنه, نقول: هذا زواج شرعي, أما الله عز وجل يعلم النية التي وراء هذا الزواج, لو أنه نوى التوقيت لكان زواجه غير شرعي, وكان زواجه بمثابة الزنا.
اعلم هذا :
((من تزوج امرأة على صداق وفي نيته ألا يفعله لها, لقي الله سارقاً))
سارق أعطاها رقم, قال لها: هذا حبر على ورق, أكثر الناس هكذا, يقول لك: ضع نصف مليون, نصف بنصف, حسناً: يقول لك: حبر على ورق, غير مقبوضة, وفي نيته ألا يؤدي هذا المهر, المهر دين ممتاز, دين ممتاز للزوجة.
فنحن -أيها الأخوة- نحكم بالظاهر, والله يتولى السرائر.
انظر إلى هذه الدقة العلمية عند أبي بكر :
سيدنا عمر, سيد الصحابة الكرام, رشحه سيدنا الصديق خليفة من بعده, فيبدو أنه كان شديداً سيدنا عمر, كان شديداً فعلاً, يبدو أنه مرة ذُكر بهذه الشدة, ذكره أبو ذر الغِفاري, قال له: يا أبا ذر! يعني أتخوفني بالله؟ لعلكم خشيتم شدتي, قال: والله في قلبي من الرحمة, ما لو اطلع الناس عليه لأخذوا عباءتي هذه.
يقول سيدنا عمر عن نفسه -رضي الله عنه- يقول: كنت خادم رسول الله, وجلواذه, وكنت سيفه المسلول, فكان يغلبني إذا شاء, وتوفي عني وهو عني راض, الحمد لله على هذا كثيراً, وأنا به أسعد, ثم جاء الصديق, فكنت خادمه, وجلواذه, وسيفه المسلول, وتوفي عني, وهو عني راض, وأنا بذلك أسعد, ثم آلت الأمور إلي.
أيها الناس, اعلموا أن تلك الشدة قد أُضعفت, وإنني أضع خدي لأهل العفاف والتقوى ليطؤوا علي, أيها الناس, خصال خمس خذوني بهن: لكم علي ألا آخذ من أموالكم شيئاً إلا بحقه, ولكم علي أن أزيد عطاياكم إن شاء الله تعالى, ولكم علي ألا أجمركم في البعوث, وإذا كنتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا.
هكذا كان سيدنا عمر, فسيدنا الصديق ولاه خليفة من بعده, فلما قيل له: إنه شديد يا خليفة رسول الله, قال: والله لو أن الله سألني يوم القيامة, لم وليت عليهم عمر؟ أقول: يا رب, وليت عليهم أرحمهم, ثم قال: هذا علمي به, فإن بدل وغير فلا علم لي بالغيب.
أرأيت إلى هذا التواضع, وهذه الدقة العلمية؟.
فإن بدل وغير فلا علم لي بالغيب.
الدليل من الكتاب والسنة على إجراء الأحكام على الظاهر :
الآية الكريمة:
﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾
أنت ليس لك حق تقول: فلان أنا أعلم أنه ينوي نية ثانية, لا يعلم النوايا إلا الله, احكم بالظاهر, والله يتولى السرائر.
قال عليه الصلاة والسلام:
((أُمِرْتُ أن أقاتِل الناسَ حتى يَشهدُوا أن لا إله إلا الله، أنَّ محمداً رسولُ الله، ويقيموا الصلاةَ، ويُؤتوا الزكاةَ، فإذا فَعَلوا ذلِكَ, عَصمُوا مني دِماءهُمْ إلا بحقَّ الإسلام، وحِسابُهُم على الله))
من الغش :
المنافق: إذا كان ذكياً جداً وأظهر, مثل تمثيلاً متقناً أنه مسلم, وأخذ ميزات المسلمين, أخذ ميزاتهم جميعاً, هذا عذابه في الآخرة, في الدرك الأسفل من النار؛ لأنه مثل, أخذ ميزات المسلمين, تمتع فيها, ثم هو كافر؛ فالكفر له عذاب, وغش الناس له عذاب.
الآن: إنسان شخص كافر, صريح بكفره, أنت يعني لا يؤذيك, صنفته كافراً, لم تعد تفكر فيه, أما إنسان يتكلم بكلام المؤمنين, يصلي صلاتهم, يصوم صيامهم, وهو ليس كذلك, هذا يغشهم.
احذر أن يفضحك الله :
لذلك: اللهم صل عليه ...... -والله هذا الحديث -أيها الأخوة والله- يقسم الظهر-, قال:
((يؤتى رجال يوم القيامة, لهم أعمال كجبال تهامة, يجعلها الله هباء منثورا –كلها أعمال كالجبال-, فقال أصحاب النبي -عليهم رضوان الله-: يا رسول الله! صفهم لنا كي لا نكون مثلهم –دقق الآن- قال: إنهم يصلون كما تصلون, ويأخذون من الليل كما تأخذون, ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها))
يعني: لهم خلوات يرتكبون فيها المعاصي, في خلواتهم, أما في جلواتهم أناس طيبون, طاهرون, أولياء, قديسون في جلواتهم, أما في خلواتهم ينتهكون حرمات الله, لذلك ورد:
((من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا, لم يعبأ الله بشيء من عمله))
ومر معي حديث -الآن لا أذكر نصه الحرفي-: إذا الإنسان أتقن التمثيل أمام الناس, وهو إذا خلا مع نفسه ارتكب المعاصي والآثام, هذا الإنسان لا بد أن يفضحه الله عز وجل.
حوار جرى في أمريكا :
مرة جرى نقاش حاد بين أحد أكبر القساوسة بأمريكا اسمه شودر, دخله اليومي مليون دولار, للدعوة, للدعوة؛ محطات إذاعية, محطات تلفزيونية, ألف كتاباً, هو جميل الصورة جداً, دخل مع أحمد زيدات العالم الإسلامي, المقيم في جنوبي أفريقيا بجوهاز مبورغ, عالم إسلامي كبير, والله عز وجل مكنه من إتقان الإنجيل.
جرى حواراً في أمريكا, هل هذا الإنجيل كلمة الله؟ هو أدلى برأيه الدقيق, بعد حين, هذا الطرف الثاني الخصم: ضُبط بجريمة جنسية, فصار يبكي كالأطفال يبكي, لأن كل هذه السمعة التي حصلها انهارت في ثانية.
نقطة دقيقة :
يعني في نقطة دقيقة –يا أخوان-: إذا الإنسان له أعمال لا ترضي الله فيما بينه وبين الله, يعطيه الله مهلاً؛ مهلة, اثنتين, ثلاثة, فإذا استنفد المهل, فضحه على رؤوس الأشهاد.
يعني: لا يوجد إنسان يخدع الناس إلى أمد طويل.
قال بعض الفرنسيين: يمكن أن تخدع كل الناس إلى أمد قصير, ويمكن أن تخدع بعضهم إلى أمد طويل, أما أن تخدع كل الناس كل الوقت هذا مستحيل.
فالله عز وجل: يتولى فضح من له سريرة تُناقض علانيته, هذا نوع من انفصام الشخصية.
الإنسان متى يرفع رأسه؟ متى يرى أنه عند الله يعني مقبول, لا يوجد عنده ازدواجية في حياته؟ ما يفعله في خلوته يفعله في جلوته, ما يفكر به في سره يقوله بلسانه, يعني لا يوجد عنده شيء معلن؛ باطن ظاهر, سر وعلانية, ما يفعله في البيت لا يفعله في السوق, واضح, هذا الوضوح كما قال عليه الصلاة والسلام:
((تركتكم على بيضاء نقية, ليلها كنهارها, لا يزيغ عنها إلا باطل))
احذر أن تكفر مسلماً :
ويقول عليه الصلاة والسلام:
((من قال: لا إله إلا الله، وكَفَرَ بما يُعْبَدُ من دون الله، حَرُمَ مالُه ودَمُهُ، وحسابُه على الله))
انتهى.
إنسان أعلن الشهادة, وأدى الصلاة, وآتى الزكاة, له ما للمسلمين, وعليه ما عليهم, من دون تمييز, هذا مبدأ عظيم, مبدأ يحكم بالظاهر, والله يتولى السرائر, لا نكفر أهل القبلة, ما دام يصلي تجاه القبلة, لا نكفر أهل القبلة, لا نكفر من قال: لا ﺇله إلا الله.
((من قال هلك الناس فهو أهلكُهم –يعني أشدهم هلاكاً- ومن كفر مسلماً, باء بالكفر أحدهما))
قف عند أهمية هذا الحديث :
وعن أبي معبد المقداد بن الأسود -رضي الله عنه- قال:
((قلت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أَرأَيتَ إِن لقِيتُ رجلاً من الكُفارِ فَاقْتَتَلْنا، فَضَرَبَ إِحدى يديَّ بالسيف فقطعها، ثم لاذَ مِنِّي بشجرة، فقال: أسلمتُ لله، أَأَقْتُلُه يا رسولَ الله بعد أن قالها؟ قال: لا تقتُلْه، فقلت: يا رسولَ الله! قَطَعَ إِحدى يَديَّ، ثم قال بعد -ما قطعها-: لا ﺇله إلا الله, قال: لا تقْتُلْه، فإن قتَلْتَه فإِنَّهُ بمنزلتِكَ قبل أن تَقتُلَه، وإِنك بمنزلَتِهِ قبلَ أن يقول كَلِمَتَه التي قال))
ما دام قال: لا ﺇله إلا الله, عصم منك دمه.
هذه قواعد الإسلام :
حسناً: من الإنسان آلم النبي أشد الإيلام؟ من هو؟ قاتل سيدنا الحمزة الحبشي, يعني سيدنا الحمزة, كان -عليه الصلاة والسلام- يحبه حباً جماً, فجاء عبد حبشي, وُعد أنه إذا قتل الحمزة يُعتق, فهو له مهمة واحدة في القتال, جاء بقناة, وغرزها في قلبه, فجاءت هند, ففتحت بطنه, ولاكت كبده بفمها, انتقاماً منه.
فهذا الذي قتل عمه الحمزة أسلم, انتهى, قال له:
((اجلس ورائي))
لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يطيق أن يراه أمامه, قال له:
((اجلس ورائي))
فالإسلام شيء عظيم, قواعد واضحة.
منعطف هام :
أحد الصحابة, يبدو أنه تمكن من كافر, فقال: اشهد أن لا ﺇله, رافق ...... فالنبي غضب غضباً شديداً, فقال: يا رسول الله! فقال عليه الصلاة والسلام: أقال لا إله إلا الله وقتلته؟ قلت: يا رسول الله! إنما قالها خوفاً من السلاح, قال: أفلا شققت على قلبه, حتى تعلم أنه قالها, أم لا؟ فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ.
تطبيق عملي للأحاديث التي سبق ذكرها :
الآن في قول دقيق جداً لسيدنا عمر, قبل أن ننهي الدرس: عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول:
((إِن ناساً كانوا يُؤخَذون بالوحي في عهدِ رسولِ الله
–في عهد النبي في وحي واحد, يعني فيما بينه وبين ابن زوجته, قال له: لو كان محمد صادقاً فيما يقول, لكنا فرا من الخمر, يعني لكن ليس صادقاً هو, فجاء الوحي,
قال: وقالوا كلمة الكفر, فإن يتوبوا خير لكم,
فكان في وحي يفضح بعد انقطاع الوحي-.
وإِن الوحي قَدِ انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أَظْهَرَ لَنَا خَيراً أَمِنَّاهُ، وقَرَّبْنَاهُ، وليس لنا من سَرِيرتِهِ شيء، الله يُحَاسِبُهُ في سريرته، ومَنْ أَظْهَرَ لنا سُوءاً لم نَأْمَنْهُ، ولم نُصَدِّقه، وإن قال: إِنَّ سريرتَه حسنة))
نحن الآن لا يوجد وحي يحكم بالظاهر, والله يتولى السرائر, فأنت بكل موقف؛ بحركتك اليومية, بعلاقاتك, ببيعك, بشرائك, لك الظاهر, ما دام الظاهر صح, ليس لك أن تقول شيئاً في الباطل, إلا إذا في مؤشرات, إذا في علامات, إذا في دلائل, لكن لا يوجد ولا دليل تتهم إنساناً ......
ابتعد عن هذا العمل :
قالوا: قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة.
يعني: إذا كان امرأة ذُكرت, أنت عملت هكذا ...... فقط:
﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾
وهذا الإنسان الذي يتهم محصنة, يُجلد ثمانون جلدة.
محور الدرس :
فأيها الأخوة, هذا الدرس مفاده: عود نفسك أن تحكم بالظاهر, ودع السرائر لله عز وجل, هذه موكولة لله تعالى؛ أما إذا في دلائل, في مؤشرات, في فلتات لسان, في مواقف, هذا موضوع ثان والله أعلم, والحمد لله رب العالمين.
دعاء الختام :
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.